هنالك في البعيد/ أحمد الطريبق أحمد

أستاذ محاضر في كليّة الآداب في جامعة تطوان
الأخ الأديب المهجري شربل بعيني
تحيّاتي..
من أعماق شعوري، ومن أعماق هذه الأرض في الجناح الغربي من الخريطة العربيّة، كانت مفاجأة لي سارّة، وأنا أستلم الكتاب الموسوم باسمك النبيل، عن تجربتك الأدبيّة وأشعارك المهجريّة. ولـم يكن يخطر بالبال أن حروفاً عربيّة ستخترق الآفاق والمجاهل لتصل إليّ، وأنا في المغرب، كقطرات الندى، تحمل في ثناياها زخماً من العروبة، آتية من قلب أستراليا، هذه القارة النائية عن العروبة والحرف العربي.
نعم، إن رسالتكم في مهجر أستراليا رسالة خالدة. وكم هو جميل هذا التاريخ العربي الذي يعيد تجربته مع الحرف النضير. ومن زمن قريب سقطت آخر ورقة من الصفصافة العربيّة، والمتبقيّة من حديقة المهجر، ذلكم هو مخائيل نعيمة. ولكن عدوى العروبة ووجدان الحرف سيسريان إلى آخر بقعة من بقاع الأرض، ما دام القرآن وتراث العرب ينبضان في قلب الجسد العربي.
إن الكتاب المرسل إليّ عن تجربتك، سيكون الجسر الروحي الذي سيربطني مع تجربة كل عربي في المهجر هنالك، هنالك في البعيد.
أما عن شخصك المرح، فقد افتقدناك في المربد التاسع، وهو مربد اللقاءات العربيّة على أيّ حال.. فيه من الشعر القليل، وفيه من الفوائد الكثير، وأهمها اللقاء الصادق الذي يربط بين الأدباء من أقصى الأرض إلى أدناها، ولا أدل على ذلك هذه الصداقة التي ربطتني وإياك، في صدفة من صدف الزمان.
وماذا عن المربد التاسع؟.. هو في عمقه ومداه لا يختلف عن المرابد الأخيرة، لكن مناخه العام ينمّ عن شعور وارتياح بجو السلام الذي سيسود المنطقة. وما أفظعها من حرب مدمّرة، كانت، وأملنا ألاّ تعود، وأملنا أن تنقلب الأرض غير الأرض في لبنان، ويعود إلى بناء الأعشاش لطيوره المهاجرة، وأنت من الطيور المهاجرة، يا أخي شربل!! أليس كذلك؟.
فمزيداً من الإتصال الروحي بيننا عبر المراسلات والمطبوعات، وكلّي اشتياق إلى المزيد فالمزيد: صحفاً أو دوريّات من عالـم المهجر، فلها مذاق خاص، ولها طعم لا يمّحى أثره من الوجدان، وسأوافيك مستقبلاً بأشياء من المغرب لتتبيّن عن كثب الحركة الأدبيّة النامية في بلدي.
12 كانون الأول 1988**